الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هل في تونس مكان لــحـزب ديــنـي؟

نشر في  01 أفريل 2015  (11:01)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

في أوروبا انتهت الحروب الدّينية منذ ثلاثة قرون بعد أن أقصيت الكنيسة المسيحيّة وحلفاؤها من مراكز القرار  السياسي والاقتصادي بعد معارك دامية ومحاكم تفتيش أسالت بحرا من الدم.. واليوم ومنذ 60 سنة تقريبا برزت حركات عنيفة مقنّعة بالاسلام تعتمد العنف والانقلابات بهدف فرض رؤية دولة دينيّة، وهذه الحركات لا تبالي بالفكر والحريات وحقوق المرأة والفن والمعرفة والعلم ولا بالنموّ الاقتصادي، بل همّها الوحيد  هو تنفيذ برنامج ديني حتى وإن أصبحت البلدان العربية خرابا وتفشت فيها المجاعة والجهل والحروب والارهاب!
وللمرّة الثانية في التاريخ المعاصر نرى مجموعات من الجهلة الرجعيين تحطّم معالم حضارية في المتاحف وتعد بتفجير الاهرامات وتذبح وتقتل وتدمّر وتحارب المعرفة والعلوم باسم العقيدة وتنشر الموت والدّمار بعد أن فعل ذلك الخمير الحمر في كمبوديا عندما قتلوا وشرّدوا الملايين من البشر باسم عقيدتهم الشيوعيّة..  والآن هناك محاولات لارجاع الشّعوب العربية الى الجاهلية من خلال فرص قراءة دينيّة تسمح بذبح الناس بعد تكفيرهم وتدمير المساجد والحياة وبيع النساء والفتيات واقرار دين أسود وقع تصوّره والتخطيط له من قبل المخابرات الاسرائيلية والأمريكيّة والعثمانية وكذلك وبأشكال أخرى من دولة قطر.

عوض ان نهتمّ بالنمو الاقتصادي وحقوق الانسان، صارت مجموعات من الجهلة العنيفين الارهابيين تحرّكها المخابرات والعقيدة السوداء، أشبه بطاعون قاتل لهذه البلدان، بما في ذلك تونس... عوض ان نغزو الفضاء أصبحنا نغزو المقابر!..لقد باتت الحركات الدّينية العنيفة تهدّد كل منجزاتنا ومكاسبنا وخاصّة مستقبل بلادنا لأنّها بلا أيّة رؤية حضارية بل لها رؤية ضيّقة ترتكز على «دين» دموي متشدّد.. بدل أن يكون الدين دافعا نحو الرقيّ وأداة فعّالة من أجل الحريات والثقافة وظّفه الجهلة ليكون مكبلا ومعولا للهدم وسلاح دمار شامل!
أنا لا أقصد حزب التحرير لأنّي لا أهتمّ بهذه المجموعة الدّينية المتشدّدة البدائيّة بل حزب النهضة الذي قاد البلاد بعد انتخابات 2011 وفشل على جميع الأصعدة.. وكيف لا يفشل وهو حزب ديني بلا برنامج ثقافي أو حضاري، وشغله الشاغل هو إحكام القبضة على دواليب الدولة والإدارة  وخاصّة الأمن والجيش مع السّماح للحركات الدّينية بالنشاط وحتى بتخزين الأسلحة و«ممارسة الرياضة في الجبال»!! لكن بفضل نساء تونس والإعلاميين الشرفاء واتحاد الشغل ثم نداء تونس، وخاصّة بفضل رجال الأمن الجمهوري والأبناء الوطنيين للمؤسّسة العسكريّة، لم تنجح النّهضة في فرض نمط عيش ترفضه الأغلبيّة السّاحقة من التونسيين.. إنّي لا أخاطب حمادي الجبالي السياسي الفاشل الذي ترك الارهاب يتفشّى ولم يتصدّ له، والذي أصبح يدافع عن إمارة قطر بصفة غريبة ومفضوحة المقاصد، كما اني لا أتحدّث عن علي العريض الذي «أطلق سراح» «أبو عياض» من جامع الفتح ولم يحاول قطع الطريق على الارهابيين، وأنا لا أخاطب رياض الشعيبي والمتشدّدين الآخرين، بل أخاطب السيد راشد الغنوشي الذي جنّب حزبه مشاكل كبيرة وخطيرة وأظهر خصالا سياسيّة حتى وان كان مشروعه دينيا بحتا.. وللتذكير فانّ جماعة  الفلاقة اخترقوا موقعي على «الفايس بوك» منذ أشهر بعد ان انتقدت صقور النهضة وحزب المؤتمر...

انّ أهمّ مشكلة لحركة النهضة أنّها لم تصبح حركة سياسية تونسية في تصوّرها وتعاملها مع محيطها، فإلى يومنا هذا مازالت على علاقة بالحركة الاسلاميّة الدولية، حركة الإخوان التي يديرها السيد يوسف القرضاوي من دولة قطر.. انّ ما لا يرقى إليه أيّ شكّ هو أنّ هذه الحركة  المتزمّتة في قطيعة مع الحداثة وهي حركة رجعيّة تستضيفها الدوحة وتتدخّل في الشؤون العربية متى طلب منها ذلك.. لقد طالب القرضاوي بمحاربة العقيد القذافي وقتله ثم بمحاربة بشار الأسد ثم بالتصدّي للرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ثم بارك محاربة الحكومة الحوثية في اليمن! إنّ «الحركة» القرضاوية بيدق بأيدي قوى أجنبية ومن بينها تركيا التي تعمل بكل ما لديها من جهد على إركاع الدول العربيّة مع  الإشارة إلى أنّ الاعتداءات الاسرائيليّة لم تسبّب ردود فعل سريعة وحاسمة عندما تقتل قوات الاحتلال المئات من الفلسطينيين! انّ هذه المنظّمة الإخوانيّة هي في حقيقة الأمر مجموعة من الأيمّة المنحازين للتطرّف والظلامية ولا علاقة لهم بإسلام  الوسطيّة والاعتدال والتسامح اسلام الزيتونة، هي مجموعة يؤلّف بينها الفكر المتحجّر الرّامي الى تدمير بعض البلدان.. وفي هذا السياق اعترف بأنّي أصبحت أشكّ في الأستاذ عبد الفتاح مورو نائب رئيس مجلس الشعب  عندما يتحدّث مع مشايخ الشرق المتعصّبين! إنّه لا يمثل مسلمي تونس ولا أساتذته في تونس، وإلى يومنا هذا سيبقى مشكل الارتباط بهذه الحركة من أخطر المشاكل التي تعرفها النهضة، ولذلك أعتقد أنّ تونسة هذا الحزب هي من أولوياته إذا كان حريصا على أن يكون له موقع في المشهد السياسي.
ثاني سؤال مطروح على الحركة الدينية هو: هل انّها حزب سياسي أم جماعة متدّينة تريد أسلمة شعب مسلم؟ فإمّا ان تتعاطى السياسة وإمّا ان تصبح مجموعة تدعو الى الدين الذي تتصوره، فالخلط بين الدين والسياسة أمر في منتهى الخطورة...
 أما ثالث محور فهو علاقة النّهضة بالعنف والارهاب! لقد بات هذا الحزب يتعرّض اليوم لانتقادات شديدة اللهجة  وحادّة من قبل الارهابيين، بينما نتذكّر جميعا كيف كانت الترويكا تتعامل مع الارهاب وشاهدنا بعض قياداتها يدافعون عن المتشدّدين ويشاركون في تظاهراتهم ويدعون إلى البطش بالديمقراطيين وتقليص حقوق المرأة والى اختراق وزارة الداخلية وربما وزارة الدّفاع! فحتى وإن شاركت النهضة في مسيرة باردو، فانّ علاقة هذا الحزب بالعنف لم تحسم تماما علما أنّه كما يحتضن حمائم فإنّه يحتضن صقورا.. فعلى كل الصقور ان يقتنعوا بأن الشعب التونسي وجيشه وأمنه و قضاءه لا يقبلون بمساندة العنف ولا الارهاب ولا بإشعال نيران الفتنة.. بقي على الحمائم ان يقنعوا زملاءهم بأنّ مشروع أسلمة شعب مسلم انتهى وانّ على الحركة الدّينية ان تصبح حركة مدنية تركّز على الهوية والأخلاق والسياسة والتعايش مع كل من يخالفهم الرأي أو العقيدة، وعلى السيد راشد الغنوشي ان يساهم في تونسة حركته وان يطلب علنا من كل المنخرطين في حركته ان يقفوا سدّا منيعا ضدّ الارهاب وان يساهموا في سحق الارهاب بكل الوسائل وذلك في إطار الوحدة الوطنيّة..

 اليوم أصبح جليا انّ على اليسار وعلى كل الديمقراطيين أن يقبلوا بالتعايش مع حركة تونسيّة لها توجّهات دينيّة لكنّها لا تسعى الى أسلمة  الشعب التونسي ولا الى فرض الشريعة، كما انّ على النهضة ان تعلن صراحة أنّها لا تسعى الى أسلمة المسلمين ولا إلى زرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الواحد بل انّها متشبثة بالحداثة والديمقراطية وحقوق المرأة والانسان، وكلّها مرتبطة ارتباطا عضويا بالهوية بمايجعل تونس بلاد نمو وعلم ومعرفة وأخلاق.. وأمّا إذا لم تفهم النهضة وأخصّ بالذكر متطرّفيها وبعض شبابها هذه الاشكاليات فليعلموا أنّ الشعب  التونسي مصمّم على التصدّي لهم ولأيّ مشروع رجعي وظلامي...
أعتقد أنّه يوجد في تونس مكان لحزب يستلهم من الاسلام لكنّه يختلف في برنامجه وممارساته وأهدافه مع الحركات الدّينية العنيفة أو المتشدّدة وليس له أي ارتباط بها، وهو يهدف الى خلق تيّار ديني جديد يؤسّس للهوية لكنه يحترم كلّ الحرّيات.